فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)}.
اعلم أنه تعالى لما قال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ الجن والإنس} [الأعراف: 179] فأخبر أن كثيرًا من الثقلين مخلوقون للنار أتبعه بقوله: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} ليبين أيضًا أن كثيرًا منهم مخلوقون للجنة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

واعلم أنه تعالى ذكر في قصة موسى قوله: {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 159] فلما أعاد الله تعالى هذا الكلام هاهنا حمله أكثر المفسرين على أن المراد منه قوم محمد صلى الله عليه وسلم، روى قتادة وابن جريج عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها هذه الأمة وروى أيضًا أنه عليه الصلاة والسلام قال: «هذه فيهم وقد أعطى الله قوم موسى مثلها» وعن الربيع بن أنس أنه قال: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقال: «إن من أمتي قومًا على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم» وقال ابن عباس يريد أمة محمد عليه الصلاة والسلام المهاجرين والأنصار.
قال الجبائي: هذه الآية تدل على أنه لا يخلو زمان ألبتة عمن يقوم بالحق ويعمل به ويهدي إليه وأنهم لا يجتمعون في شيء من الأزمنة على الباطل، لأنه لا يخلو إما أن يكون المراد زمان وجود محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الزمان الذي نزلت فيه هذه الآية.
أو المراد أنه قد حصل زمان من الأزمنة حصل فيه قوم بالصفة المذكورة، أو المراد ما ذكرنا أنه لا يخلو زمان من الأزمنة عن قوم موصوفين بهذه الصفة والأول باطل.
لأنه قد كان ظاهرًا لكل الناس أن محمدًا وأصحابه على الحق، فحمل الآية على هذا المعنى يخرجه عن الفائدة، والثاني باطل أيضًا، لأن كل أحد يعلم بالضرورة أنه قد حصل زمان ما في الأزمنة الماضية حصل فيه جَمْعٌ من المحقين، فلم يبق إلا القسم الثالث.
وهو أدل على أنه ما خلا زمان عن قوم من المحقين وأن إجماعهم حجة، وعلى هذا التقدير فهذا يدل على أن إجماع سائر الأمم حجة. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق} يعني جماعة وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم يهدون بالحق يعني يدعون إلى الحق ويأمرون بالحق {وَبِهِ يَعْدِلُونَ} يعني بالحق يعملون وذلك أنه لما نزل قوله تعالى: {وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 159] قال أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله قد ذكر الله تعالى هؤلاء الرهط بالخير الجسيم من بني إسرائيل إن آمنوا بك وجعل لهم أجرين، ولنا أجرًا واحدًا، وقد صدقناك والرسل والكتب فنزل {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ} يعني: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم {يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ}. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ} عصبة {يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} قال قتادة وابن جريج: بلغنا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فقال: «هي أحق بالحق يأخذون ويقضون ويعطون وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون».
قال الربيع بن أنس: قرأ النبيّ صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقال: «إن من أمتي قومًا على الحق حتّى ينزل عيسى» عليه السلام.
عن عمير بن هاني قال: سمعت معاوية على هذا المنبر يقول: «سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال من أُمّتي أُمّة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من غالطهم حتّى يأتي أمر الله عزّ وجلّ، وهم ظاهرون على الناس».
وقال ابن حيان: هم مؤمنو أهل الكتاب. وقال عطاء: هم المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان قد سماهم الله تعالى في سورة براءة.
وقال الكلبي: هم من جميع الخلق. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَمِمَّنْ خَلَقَنْا أُمَّةٌ يَهُدُونَ بِالْحَقِّ}.
فيهم قولان:
أحدهما: العلماء.
والثاني: أنهم هذه الأمة. روى ذلك قتادة، وابن جريج عن النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}.
هذه آية تتضمن الخبر عن قوم مخالفين لمن تقدم ذكرهم في أنهم أهل إيمان واستقامة وهداية، وظاهر لفظ هذه الآية يقتضي كل مؤمن كان من لدن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، قال النحاس: فلا تخلو الدنيا في وقت من الأوقات من داع يدعو إلى الحق.
قال القاضي ابو محمد: سواء بعد صوته أو كان خاملًا، وروي عن كثير من المفسرين أنها في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وروي في يذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هذه الآية لكم، وقد تقدم مثلها لقوم موسى». اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق} أي: يعملون به، {وبه يعدلون} أي: وبالعمل به يعدلون.
وفيمن أُريد بهذه الآية أربعة أقوال:
أحدها: أنهم المهاجرون والأنصار والتابعون باحسان من هذه الأمة، قاله ابن عباس.
وكان ابن جريج: يقول: ذُكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هذه أُمتي، بالحق يأخذون ويعطون ويقضون» وقال قتادة: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تلا هذه الآية قال: «هذه لكم وقد أعطي القومُ مثلها» ثم يقرأ: {ومن قوم موسى أُمة يهدون بالحق وبه يعدلون} [الأعراف: 159].
والثاني: أنهم من جميع الخلق، قاله ابن السائب.
والثالث: أنهم الأنبياء.
والرابع: أنهم العلماء.
ذكر القولين الماوردي. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)}.
في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هم هذه الأُمة» وروي أنه قال: «هذه لكم وقد أعطى الله قوم موسى مثلها».
وقرأ هذه الآية وقال: «إنّ من أُمتي قومًا على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم» فدلّت الآية على أن الله عز وجل لا يُخْلِي الدنيا في وقت من الأوقات من داعٍ يدعُو إلى الحق. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {ومما خلقنا أمة} يعني جماعة وعصابة {يهدون بالحق وبه يعدلون} قال ابن عباس: يريد أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهم المهاجرون والأنصار والتابعون لهم بإحسان.
قال قتادة: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال: «هذه لكم وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون» {ق} عن معاوية قال وهو يخطب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» وفي الآية دليل على أنه لا يخلو زمان من قائم بالحق يعمل به ويهدي إليه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وممن خلقنا أمة يهدون بالحقّ وبه يعدلون}.
لما ذكر من ذرأ للنار ذكر مقابلهم وفي لفظة {وممن} دلالة على التبعيض وأن المعظم من المخلوقين ليسوا هداة إلى الحق ولا عادلين به، قيل: هم العلماء والدعاء إلى الدين، وقيل: هم مؤمنو أهل الكتاب قاله ابن الكلبي وروي عن قتادة وابن جريج، وقيل: هم المهاجرون والأنصار والتابعون لهم بإحسان، وقال ابن عباس: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم وعليه أكثر المفسرين وروي في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال: «هذه لكم، وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها» {ومن قوم موسى} الآية وعنه صلى الله عليه وسلم: «إن من أمتي قومًا على الحقّ حتى ينزل عيسى ابن مريم» والظاهر أن هذه الجملة أخبر فيها أن ممن خلق أمة موصوفون بكذا فلا يدل على تعيين لا في أشخاص ولا في أزمان وصلحت لكل هاد بالحقّ من هذه الأمة وغيرهم وفي زمان الرسول وغيره، كما أنّ مقابلها في قوله: {ولقد ذرأنا لجهنم} لا يدلّ على تعيين أشخاص ولا زمان وإنما هذا تقسيم للمخلوق للنار والمخلوق للجنة ولذلك قيل: إنّ في الكلام محذوفًا تقديره {وممن خلقنا} يدلّ عليه إثبات مقابله في قوله: {ولقد ذرأنا لجهنم}.
وقال الجبائي: هذه الآية تدل على أن لا يخلو زمان ألبتة ممن يقوم بالحق ويعمل به ويهذي إليه وأنهم لا يجتمعون في شيء من الأزمنة على الباطل انتهى، والآية لا تدل على ما زعم الجبائي وما قاله مخالف لما روي من أنه لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق ولا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله ولا تقوم الساعة حتى يسري على كتاب الله فلا يبقي منه حرف أو كما قال: {والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ}.
بيانٌ إجماليٌّ لحال مَنْ عدا المذكورين من الثقلين الموصوفين بما ذُكر من الضلال والإلحادِ عن الحق، ومحلُّ الظرفِ الرفعُ على أنه مبتدأ، إما باعتبار مضمونِه أو بتقدير الموصوفِ وما بعده خبرُه كما مر في تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ الناس} الخ، أي وبعضُ مَنْ خلقنا أو وبعضٌ ممن خلقنا أمةٌ أي طائفةٌ كثيرةٌ يهدون الناسَ ملتبسين بالحق أو يهدونهم بكلمة الحقِّ ويدلونهم على الاستقامة، وبالحق يحكمون في الحكومات الجاريةِ فيما بينهم ولا يجورون فيها.
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا قرأها: «هذه لكم وقد أُعْطي بين أيديكم مثلها» ومن قوم موسى أمة الآية وعنه عليه الصلاة والسلام: «إن من أمتي قومًا على الحق حتى ينزل عيسى» وروي: «لا تزال من أمتي طائفةٌ على الحق إلى أن يأتي أمرُ الله» وروي: «لا تزال من أمتي أمةٌ قائمةً بأمر الله لا يضرُهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيَ أمرُ الله وهم ظاهرون» وفيه من الدلالة على صحة الإجماعِ ما لا يخفي. والاقتصارُ على نعتهم بهداية الناس للإيذان بأن اهتداءهم في أنفسهم أمرٌ محققٌ غنيٌّ عن التصريح به. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ}.
قيل بيان إجمالي لحال من عدا المذكورين من الثقلين الموصوفين بما ذكر من الضلال على أتم وجه، وهو عند جمع من المحققين على ما ظهر للعلامة الطيبي عطف على جملة {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا} [الأعراف: 179] وقوله سبحانه وتعالى: {يَهْدُونَ} إلخ إذا أخذ بجملته وزبدته كان كالمقابل لقوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ} إلى {هُمُ الغافلون} [الأعراف: 179] وكلتا الآيتين كالنشر لقوله عز شأنه: {مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتدى وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون} [الأعراف: 178] وهو كالتذييل لحديث الذي أوتي آيات الله تعالى والأسماء العظام فانسلخ منها وقوله تعالى: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى} [الأعراف: 180] اعتراض لمناسبة حديث الأسماء حديث أسماء الله تعالى العظام التي أوتيها ذلك المنسلخ كما في بعض الروايات وقد تعلق بقوله عز شأنه: {أُوْلَئِكَ هُمُ الغافلون} [الأعراف: 179] باعتبار أنه كالتنبيه على أن الموجب لدخول جهنم هو الغفلة عن ذكر الله تعالى وعن أسمائه الحسنى، وأرباب الذوق والمشاهدة يجدون ذلك من أرواحهم لأن القلب إذا غفل عن ذكر الله تبارك وتعالى وأقبل على الدنيا وشهواتها وقع في نار الحرص ولا يزال يهوى من ظلمة إلى ظلمة حتى ينتهي إلى درجات الحرمان، وبخلاف ذلك إذا انفتح على القلب باب الذكر فإنه يقع في جنة القناعة ولا يزال يترقى من نور إلى نور حتى ينتهي إلى أعلا درجات الإحسان، {وَمِنْ} أما نكرة موصوفة أو بمعنى الذي، والمراد بعض من خلقنا أو بعض ممن خلقنا طائفة جليلة كثيرة يهدون الناس ملتبسين بالحق أو يهدونهم بكلمة الحق ويدلونهم على الاستقامة وبالحق يحكمون في الحكومات الجارية فيما بينهم ولا يجورون فيها.
أخرج ابن جرير وغيره عن ابن جريج أنه قال: ذكر لنا «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذه أمتي».
وأخرج عن قتادة أنه قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قرأ هذه الآية: «هذه لكم وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أمتي قومًا على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام».
وروى الشيخان عن معاوية والمغيرة بن شعبة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله تعالى لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تعلى وهم على ذلك».
واستدل الجبائي بالآية على صحة الإجماع في كل عصر سواء في ذلك عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله تعالى عنهم وغيره إذ لو اختص لم يكن لذكره فائدة لأنه معلوم، وعلى أنه لا يخلو عصر عن مجتهد إلى قيام الساعة لأن المجتهدين هم أرباب الإجماع، قيل: وهو مخالف لما روى من أنه لا تقوم الساعة إلا على أشرار الخلق، ولا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله، وأجيب بأن ذلك الزمان ملحق بيوم القيامة لمعانقته له، والمراد عدم خلو العصر عن مجتهد فيما عداه، وقيل: المراد من الخبرين الإشارة إلى غلبة الشر فلا ينافي وجود النزر من أهل ذلك العنوان، والواحد منهم كاف وهو حينئذ الأمة، والاقتصار على نعتهم بهداية الناس للإيذان بأن اهتداءهم في أنفسهم أمر محقق غني عن التصريح. اهـ.